قال الله تعالى: ((إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ(17)وَلَا يَسْتَثْنُونَ(18)فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ
نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21)أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ
كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ
مِسْكِينٌ(24)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25)فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ(27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ(29)فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
طَاغِينَ(31)عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(32)كَذَلِكَ الْعَذَابُ
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(33) )). القصة: كان شيخ كبير كانت له جنة،
وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض
الشيخ وورثه بنوه - وكان له خمسة من البنين- فحملت جنتهم في تلك السنة التي
هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك، فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة
العصر, فشاهدوا ثمرا ورزقا فاضلا لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى
الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله
وخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في
عامنا هذا شيئا، حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من
السنين المقبلة. فرضي بذلك منهم أربعة، وسخط الخامس وهو الذي قال فيه الله
تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون). أي قال لهم أوسطهم: اتقوا الله
وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به، وضربوه ضربا مبرحا, فلما
أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم، غير طائع،
فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يقطفوا ثمارهم إذا أصبحوا، ولم يقولوا إن
شاء الله. فأشار القرآن إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء
الفقراء شيئا منها، وتعاهدوا على ذلك. ولكن هل فلحوا في أمرهم؟ لقد ابتلاهم الله
بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه. إن الله الذي لا
تأخذه سنة ولا نوم، ما كان ليغفل عن تدبير خلقه،
وإجراء سننه في الحياة. فقد أراد
أن يجعل لهم آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين
وإعطاء كل ذي حق حقه. وأن يعلم الإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية، وإنه نتيجة
عمله. وإذا إستطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين، فهل يستطيعوا أن يخفوه عن
عالم الغيب والشهادة؟ فأرسل الله تعالى البلاء
والعذاب على ثمارهم فأصبحت سوداء
محترقة فلما رأوها أدركوا في تلك اللحظة أن الحرمان الحقيقي ليس بقلة المال
والجاه، وإنما الحرمان هو قلة الإيمان والمعرفة بالله. وهكذا أصبح هذا الحادث
المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلال والحرمان، وصار بداية لرحلة
المسير في آفاق التوبة والإنابة، والتي أولها اكتشاف الإنسان خطئه في الحياة.
ومن هنا نعلم أن من أهم الحكم التي وراء إصابة الإنسان بالبأساء والضراء وألوان
من العذاب في الدنيا، هو تصحيح مسيرته بإحياء ضميره واستثارة عقله من خلال
ذلك، كما قال ربنا عزوجل: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون). إنها
سنة إلهية: ولعل في القصة إشارة إلى أن الله تعالى أجرى نفس السنة على المترفين
أو طالهم منه شيء من العذاب في الدنيا. ومادامت السنن الإلهية في الحياة واحدة،
فيجب إذن أن يعتبر الإنسان بالآخرين، سواء المعاصرين له أو الذين سبقوه، وأن
يعيش في الحياة كتلميذ، لأنها مدرسة, وأحداثها خير معلم لمن أراد وألقى السمع
وأعمل الفكر. فهذه قصة أصحاب الجنة يعرضها الوحي لتكون أحداثها ودروسها
موعظة وعبرة للإنسانية. ومن الملفت للنظر، أن القرآن في عرضه لهذه القصة لا
يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة، هل كانت في اليمن أو في الحبشة، ولا عن
مساحتها ولا عن نوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها.. لأن هذه الأمور
ليست بذات أهمية في منهج الوحي، إنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث
المعبرة، سواء فصل العرض أو اختصر..
مُصْبِحِينَ(17)وَلَا يَسْتَثْنُونَ(18)فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ
نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21)أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ
كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ
مِسْكِينٌ(24)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25)فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ(27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ(29)فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
طَاغِينَ(31)عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(32)كَذَلِكَ الْعَذَابُ
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(33) )). القصة: كان شيخ كبير كانت له جنة،
وكان لا يدخل بيته ثمرة منها ولا إلى منزله حتى يعطي كل ذي حق حقه. فلما قبض
الشيخ وورثه بنوه - وكان له خمسة من البنين- فحملت جنتهم في تلك السنة التي
هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك، فراح الفتية إلى جنتهم بعد صلاة
العصر, فشاهدوا ثمرا ورزقا فاضلا لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم. فلما نظروا إلى
الفضل طغوا وبغوا، وقال بعضهم لبعض: إن أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله
وخرف، فهلموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في
عامنا هذا شيئا، حتى نستغني وتكثر أموالنا، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من
السنين المقبلة. فرضي بذلك منهم أربعة، وسخط الخامس وهو الذي قال فيه الله
تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون). أي قال لهم أوسطهم: اتقوا الله
وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا، فبطشوا به، وضربوه ضربا مبرحا, فلما
أيقن الأخ أنهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم، غير طائع،
فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يقطفوا ثمارهم إذا أصبحوا، ولم يقولوا إن
شاء الله. فأشار القرآن إلى أنهم كيف أقسموا على قطف ثمار مزرعتهم دون إعطاء
الفقراء شيئا منها، وتعاهدوا على ذلك. ولكن هل فلحوا في أمرهم؟ لقد ابتلاهم الله
بذلك الذنب، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه. إن الله الذي لا
تأخذه سنة ولا نوم، ما كان ليغفل عن تدبير خلقه،
وإجراء سننه في الحياة. فقد أراد
أن يجعل لهم آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره بالإنفاق على المساكين
وإعطاء كل ذي حق حقه. وأن يعلم الإنسان بأن الجزاء حقيقة واقعية، وإنه نتيجة
عمله. وإذا إستطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين، فهل يستطيعوا أن يخفوه عن
عالم الغيب والشهادة؟ فأرسل الله تعالى البلاء
والعذاب على ثمارهم فأصبحت سوداء
محترقة فلما رأوها أدركوا في تلك اللحظة أن الحرمان الحقيقي ليس بقلة المال
والجاه، وإنما الحرمان هو قلة الإيمان والمعرفة بالله. وهكذا أصبح هذا الحادث
المريع بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نومة الضلال والحرمان، وصار بداية لرحلة
المسير في آفاق التوبة والإنابة، والتي أولها اكتشاف الإنسان خطئه في الحياة.
ومن هنا نعلم أن من أهم الحكم التي وراء إصابة الإنسان بالبأساء والضراء وألوان
من العذاب في الدنيا، هو تصحيح مسيرته بإحياء ضميره واستثارة عقله من خلال
ذلك، كما قال ربنا عزوجل: (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون). إنها
سنة إلهية: ولعل في القصة إشارة إلى أن الله تعالى أجرى نفس السنة على المترفين
أو طالهم منه شيء من العذاب في الدنيا. ومادامت السنن الإلهية في الحياة واحدة،
فيجب إذن أن يعتبر الإنسان بالآخرين، سواء المعاصرين له أو الذين سبقوه، وأن
يعيش في الحياة كتلميذ، لأنها مدرسة, وأحداثها خير معلم لمن أراد وألقى السمع
وأعمل الفكر. فهذه قصة أصحاب الجنة يعرضها الوحي لتكون أحداثها ودروسها
موعظة وعبرة للإنسانية. ومن الملفت للنظر، أن القرآن في عرضه لهذه القصة لا
يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة، هل كانت في اليمن أو في الحبشة، ولا عن
مساحتها ولا عن نوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها.. لأن هذه الأمور
ليست بذات أهمية في منهج الوحي، إنما المهم المواقف والمواعظ والأحداث
المعبرة، سواء فصل العرض أو اختصر..
0 التعليقات:
إرسال تعليق